تحديات الطيران- صراعات جيوسياسية، سلامة المسارات، وتكيّف شركات الطيران.

المؤلف: منيف الحربي09.05.2025
تحديات الطيران- صراعات جيوسياسية، سلامة المسارات، وتكيّف شركات الطيران.

يشهد قطاع الطيران المدني العالمي تحديات جمة ومتفاقمة على الصعيدين التشغيلي والمالي، وذلك نتيجة لتصاعد الصراعات الدولية، وإغلاق أجزاء واسعة من المجالات الجوية، فضلاً عن التهديدات المتنامية التي تشكلها الطائرات المسيرة والصواريخ.

تتسبب هذه العوامل مجتمعة في تحويلات متكررة للمسارات الجوية، مما يؤدي إلى ارتفاع حاد في تكاليف الوقود ورواتب الأطقم العاملة، وإلى اضطرابات غير مسبوقة في جداول الرحلات، الأمر الذي يضعف القدرة على التنبؤ، وهي خاصية ضرورية وحيوية لقطاع يعتمد بشكل أساسي على الانضباط والدقة المتناهية.

إن إغلاق المجال الجوي حول روسيا وأوكرانيا في وقت سابق قد فرض قيودًا كبيرة على خيارات المسارات المتاحة لشركات الطيران، بالإضافة إلى ذلك، يشهد العالم تزايدًا ملحوظًا في حالات التشويش على نظام تحديد المواقع العالمي (GPS)، مما يشكل تهديدًا مباشرًا للملاحة الجوية، ويعقد إجراءات السلامة، ويضع أطقم الطائرات أمام قرارات صعبة ومصيرية.

إن تصاعد هذه التهديدات يعيد رسم ملامح مفهوم الطيران الآمن، ويجعل فكرة "السماء المفتوحة" أقرب إلى المثال النظري منها إلى الواقع الملموس، وقد سلطت الحوادث المؤسفة الأخيرة (مثل حوادث تحطم أو إسقاط طائرات الركاب والشحن في كازاخستان والسودان) الضوء بشكل جلي على المخاطر المتزايدة في الأجواء التي أصبحت امتدادًا طبيعيًا للنزاعات الأرضية.

دعت المنظمات الدولية مرارًا وتكرارًا إلى تحسين آليات تبادل المعلومات وتعزيز التنسيق والتعاون بين الدول لتأمين الممرات الجوية، خاصة تلك التي تعبر فوق مناطق التوترات الجيوسياسية، وفي خضم هذه الدعوات، جاءت الحرب الدائرة بين إسرائيل وإيران لتزيد الوضع تعقيدًا وتأزيمًا، حيث أدى التصعيد الأخير إلى إغلاق المجالات الجوية الإيرانية والعراقية والسورية والأردنية والإسرائيلية، مما أحدث فوضى عارمة في حركة الملاحة الجوية العالمية القادمة من الشرق الآسيوي باتجاه أوروبا وأمريكا الشمالية والعكس، واضطرت العديد من الشركات الأوروبية والآسيوية والأمريكية، بالإضافة إلى الناقلات الخليجية، إلى إعادة تخطيط مساراتها بشكل كامل أو إلغاء رحلاتها بالكامل، مما تسبب في تأخيرات طويلة وخسائر مالية فادحة.

وكما هو معهود دائمًا، تجلت بفضل الله كفاءة الملاحة الجوية السعودية في إدارة هذا التدفق الجوي غير المعتاد، حيث استوعبت الأجواء السعودية حركة كثيفة للطائرات التجارية تجاوزت الـ 300 رحلة في لحظة واحدة، ووفرت بدائل آمنة وموثوقة للمسارات المغلقة، خاصة للناقلات الخليجية التي تعتمد عليها حركة مطارات الخليج بشكل كبير.

أثبتت أنظمة المراقبة الجوية السعودية مرة أخرى، بفضل مواردها البشرية المؤهلة وتقنياتها المتطورة، قدرة فائقة على التكيف مع الظروف المتغيرة، وعلى تقديم خدمات ملاحية متقدمة في ظل ظرف إقليمي شديد الحساسية والتعقيد، مما يعزز مكانة المملكة العربية السعودية كمحور طيران موثوق في المنطقة والعالم أجمع.

لطالما اعتمد قطاع الطيران على الاستقرار السياسي والأمني، وهذا الأمر يظهر بشكل أكثر وضوحًا وجلاءً في الوقت الحالي، ففي ظل إغلاق الممرات الجوية، والتهديد المتزايد بهجمات الصواريخ والطائرات المسيرة، والأعطال المتكررة في أنظمة الملاحة، فقد دخلنا عصرًا أصبحت فيه موثوقية المسارات الجوية تعتمد بشكل أقل على تقارير الأحوال الجوية وحسابات الوقود، وأكثر على التوجهات السياسية والجيوسياسية، وهذا يعني بالنسبة لشركات الطيران ضرورة التكيف المستمر مع الأوضاع المتغيرة، وارتفاع التكاليف التشغيلية، وزيادة مستوى الترقب والحذر، أما بالنسبة للمسافرين، فإنه يعني احتمال ارتفاع أسعار التذاكر والتعرض لاضطرابات في جدول الرحلات.

لا يبدو من الواضح إلى أين تتجه الأمور، ولكن كل المؤشرات تدل على أن هذا هو "الوضع الطبيعي الجديد" الذي يجب التعايش معه.

السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح: كيف سيتمكن قطاع الطيران من التكيف مع هذا الواقع المتبدل والمتغير باستمرار دون أن يفقد هويته الأساسية القائمة على ضمان السلامة والانضباط والجودة؟

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة